سكبت له الفنجان الثالث من القهوة، وأنا استمع لحكايات عمله التي لا تنتهي. مديره القديم الذي ندم على قبول استقالة عقلية فذة، كعقليته، كما يذكر. ومديره الجديد الذي تجاوز مرحلة الإعجاب به، إلى درجة عالية من الغرام به. كما يذكر أيضاً..
وحين أفسح لي قليلاً كي أتكلم، برشفة قصيرة لفنجانه الحار، قلت له:
- قبل أيام، عرضت منزلي للبيع..
قاطعني وهو ينفخ قهوته :
- ولماذا تريد بيعه يا رياض؟ يا رياض هذا تهور في ظل الأزمة العقارية الحالية، مهما كان سعر البيع مرتفعاً، لن تجد بقيمته بيت آخر..صدقني يا رياض..
أخذ نفساً كي يكمل، فأكملت:
- عموماً لم أبعه، لكن المهم في الموضوع، أنه من بين الزبائن، جاءني شخص لا يخطر على بالك، كي يشاهد المنزل..
قاطعني بابتسامة تعجب:
- كيف جعلتهم يشاهدون البيت يا رياض؟ أشعر بأن الأمر محرج، أن تقفل على أختي وأولادها في غرفة، ثم تجعل الرجل يتجول في المنزل..
ضحك وهو يستطرد:
- ذكرتني بأحد الأصدقاء دائماً ما يقول بأن وجهه نحس على نفسه قبل الآخرين، يحكي لنا مرة أنه زار زميلاً له في بيته، وفي منتصف الكلام، ذكر له زميله أنه يرغب في بيع البيت كي يسافر في بعثة دراسية للخارج، ستأخذ عشرة أعوام من عمره، فسأله عن المبلغ الذي يريده، فقال الرجل بلهجة المحبط "أي شيء.. حتى لو كان مائة ألف!". تصورّ! بيت بمائة ألف ريال؟ المائة ألف يا رياض أقل من أن تشتري لك أرضاً فكيف بمنزل يستحق المليون؟.. فطلب صديقي مباشرة أن يشاهد البيت، كي يتأكد من صدقه، فقال الرجل"دقيقة" وذهب لداخل البيت..
مد لي الفنجان وأكمل:
- وبعد دقائق عاد صاحب البيت وطلب من صديقي الدخول، فدخل وتجول داخل بيت أنيق ومدهش، وهو بالكاد يتجرع ريقه، ويقول بينه وبين نفسي "ما أحلاك من بيت". والرجل يعرض عليه طريقته الجميلة في تنسيق الغرف، والبلكونات والأثاث. وصاحبنا يتجرع ريقه ويقول "الله.. جميل.. عظيم.. مدهش"..
وبينا هم يدورون في الغرف، فُتِح بابُ غرفةٍ لم يعرها صاحبنا انتباهاً، وخرجت منها امرأة بلباس المنزل، والتقت عيناها بعيني صاحبنا فشهقت وأغلقت الباب، فيما غصَّ هو بريقه وأخذ يسعل من غير قصد.
ولم ينتبه لصاحب المنزل الذي انطلق سريعاً إلى الغرفة، وصفق بابها خلفه بقوة، ثم ارتفع صوتان" أما قلت لكِ... لم أكن أعلم أن.. ألم أخبركِ أني.. ظننت أنكم.. أنتِ لا تفهمين... أنا لا.." ثم صوت صفعة.. وصرخة.. تلاهما عويل..
وصاحبنا، وجه النحس، تسلل بأطراف أصابعه إلى خارج المنزل.
مد لي الفنجان وأنا أرسم ابتسامة كلفتني جهداً كبيراً، سكبت له الفنجان الثامن، وقلت:
- أعانه الله، المهم.. أن أحد الزبائن الذي جاءوا لمطالعة المنزل، كان فهد الونيس...
أخرج نواة التمرة من فمه وقاطعني بحماس:
- الله الله، كم أحسد هذا الرجل، دع ملايينه جانباً، أنا أحسده على عقليته الفذة، وملايينه طبعاً، رجل لا يمكن أن يضع ريالاً إلا في المكان الذي يعيده له خمسين ريالاً. تصوّر! اشترى مرةً أرضاً بمبلغ أربعمائة ألف ريال، وكان صاحب الأرض يظن أنه خدع التاجر الذكي، لكن ما الذي حصل؟ كان فهد الونيس يعلم أن الأرض تنام على خزان من المياه الجوفيه، فأصبح يبيع الماء حتى رد المبلغ الذي دفعه، خلال سنة فقط!. لكن غريب أن يفكر في بيتك؟ .
فتحت فمي كي أجيب، فتابع وكأنه تذكر شيئاً:
- آها.. لابد أنه يبحث عن بيوت كي يُسكن فيها موظفيه، بدل أن يعطيهم مالاً بدل السكن.. يا له من ذكي.. ففي النهاية يبقى البيت له..
أخذ نفساً، وهو يمد لي الفنجان ويهزه مكتفياً، فتابعت وأنا أصب له الشاي:
- المهم في الموضوع.. أن فهد الونيس كان معه ابنه البكر، عمر..
قاطعني وهو يعقد حاجبيه:
- عمر؟ عمر؟ أظنه الذي أتم الجامعة قبل سنة.. بلى بلى هو عمر.. هل تصدق أنه يعمل سكرتيراً عند أبيه؟ يا له من ولد رائع، تصوّر! طلب منه أبوه أن يعمل مديراً لأحد أقسام الشركة، فرفض، وطلب أن يعمل سكرتيراً لأبيه، كي يعرف تفاصيل العمل بوقت أقصر، يا له من ولد رائع، ما شاء الله..
تنهدت، وأكملت بإحباط شديد:
- المهم في الموضوع.. أن فهد الونيس لم...
وقبل أن أتم كلامي، رن هاتفه فجأة، و رد على المكالمة بحماس تبدل إلى قلق، ثم التفت إليّ وهو يضع يده على السماعة كي يحجب الصوت:
- هذا مديري .. إنه يحتاج حضوري الآن.. شكراً على الضيافة، واعذرني الآن..
خرج على عجل، وأغلق الباب خلفه.
***
خلف الباب كان يكمل المحادثة مع المدير:
- أين أنت الآن؟
- كنت عند نسيبي رياض..
- آه تقصد نسيب الشيخ فهد الونيس.
- كيف؟؟
- ألم يخبرك بأن الشيح خطب ابنته لابنه عمر؟
- يا له من قليل المروءة! تصور! جلست معه أكثر من ساعتين.. ولم يخبرني بذلك..!!
منقـــــــــــــــــول
وحين أفسح لي قليلاً كي أتكلم، برشفة قصيرة لفنجانه الحار، قلت له:
- قبل أيام، عرضت منزلي للبيع..
قاطعني وهو ينفخ قهوته :
- ولماذا تريد بيعه يا رياض؟ يا رياض هذا تهور في ظل الأزمة العقارية الحالية، مهما كان سعر البيع مرتفعاً، لن تجد بقيمته بيت آخر..صدقني يا رياض..
أخذ نفساً كي يكمل، فأكملت:
- عموماً لم أبعه، لكن المهم في الموضوع، أنه من بين الزبائن، جاءني شخص لا يخطر على بالك، كي يشاهد المنزل..
قاطعني بابتسامة تعجب:
- كيف جعلتهم يشاهدون البيت يا رياض؟ أشعر بأن الأمر محرج، أن تقفل على أختي وأولادها في غرفة، ثم تجعل الرجل يتجول في المنزل..
ضحك وهو يستطرد:
- ذكرتني بأحد الأصدقاء دائماً ما يقول بأن وجهه نحس على نفسه قبل الآخرين، يحكي لنا مرة أنه زار زميلاً له في بيته، وفي منتصف الكلام، ذكر له زميله أنه يرغب في بيع البيت كي يسافر في بعثة دراسية للخارج، ستأخذ عشرة أعوام من عمره، فسأله عن المبلغ الذي يريده، فقال الرجل بلهجة المحبط "أي شيء.. حتى لو كان مائة ألف!". تصورّ! بيت بمائة ألف ريال؟ المائة ألف يا رياض أقل من أن تشتري لك أرضاً فكيف بمنزل يستحق المليون؟.. فطلب صديقي مباشرة أن يشاهد البيت، كي يتأكد من صدقه، فقال الرجل"دقيقة" وذهب لداخل البيت..
مد لي الفنجان وأكمل:
- وبعد دقائق عاد صاحب البيت وطلب من صديقي الدخول، فدخل وتجول داخل بيت أنيق ومدهش، وهو بالكاد يتجرع ريقه، ويقول بينه وبين نفسي "ما أحلاك من بيت". والرجل يعرض عليه طريقته الجميلة في تنسيق الغرف، والبلكونات والأثاث. وصاحبنا يتجرع ريقه ويقول "الله.. جميل.. عظيم.. مدهش"..
وبينا هم يدورون في الغرف، فُتِح بابُ غرفةٍ لم يعرها صاحبنا انتباهاً، وخرجت منها امرأة بلباس المنزل، والتقت عيناها بعيني صاحبنا فشهقت وأغلقت الباب، فيما غصَّ هو بريقه وأخذ يسعل من غير قصد.
ولم ينتبه لصاحب المنزل الذي انطلق سريعاً إلى الغرفة، وصفق بابها خلفه بقوة، ثم ارتفع صوتان" أما قلت لكِ... لم أكن أعلم أن.. ألم أخبركِ أني.. ظننت أنكم.. أنتِ لا تفهمين... أنا لا.." ثم صوت صفعة.. وصرخة.. تلاهما عويل..
وصاحبنا، وجه النحس، تسلل بأطراف أصابعه إلى خارج المنزل.
مد لي الفنجان وأنا أرسم ابتسامة كلفتني جهداً كبيراً، سكبت له الفنجان الثامن، وقلت:
- أعانه الله، المهم.. أن أحد الزبائن الذي جاءوا لمطالعة المنزل، كان فهد الونيس...
أخرج نواة التمرة من فمه وقاطعني بحماس:
- الله الله، كم أحسد هذا الرجل، دع ملايينه جانباً، أنا أحسده على عقليته الفذة، وملايينه طبعاً، رجل لا يمكن أن يضع ريالاً إلا في المكان الذي يعيده له خمسين ريالاً. تصوّر! اشترى مرةً أرضاً بمبلغ أربعمائة ألف ريال، وكان صاحب الأرض يظن أنه خدع التاجر الذكي، لكن ما الذي حصل؟ كان فهد الونيس يعلم أن الأرض تنام على خزان من المياه الجوفيه، فأصبح يبيع الماء حتى رد المبلغ الذي دفعه، خلال سنة فقط!. لكن غريب أن يفكر في بيتك؟ .
فتحت فمي كي أجيب، فتابع وكأنه تذكر شيئاً:
- آها.. لابد أنه يبحث عن بيوت كي يُسكن فيها موظفيه، بدل أن يعطيهم مالاً بدل السكن.. يا له من ذكي.. ففي النهاية يبقى البيت له..
أخذ نفساً، وهو يمد لي الفنجان ويهزه مكتفياً، فتابعت وأنا أصب له الشاي:
- المهم في الموضوع.. أن فهد الونيس كان معه ابنه البكر، عمر..
قاطعني وهو يعقد حاجبيه:
- عمر؟ عمر؟ أظنه الذي أتم الجامعة قبل سنة.. بلى بلى هو عمر.. هل تصدق أنه يعمل سكرتيراً عند أبيه؟ يا له من ولد رائع، تصوّر! طلب منه أبوه أن يعمل مديراً لأحد أقسام الشركة، فرفض، وطلب أن يعمل سكرتيراً لأبيه، كي يعرف تفاصيل العمل بوقت أقصر، يا له من ولد رائع، ما شاء الله..
تنهدت، وأكملت بإحباط شديد:
- المهم في الموضوع.. أن فهد الونيس لم...
وقبل أن أتم كلامي، رن هاتفه فجأة، و رد على المكالمة بحماس تبدل إلى قلق، ثم التفت إليّ وهو يضع يده على السماعة كي يحجب الصوت:
- هذا مديري .. إنه يحتاج حضوري الآن.. شكراً على الضيافة، واعذرني الآن..
خرج على عجل، وأغلق الباب خلفه.
***
خلف الباب كان يكمل المحادثة مع المدير:
- أين أنت الآن؟
- كنت عند نسيبي رياض..
- آه تقصد نسيب الشيخ فهد الونيس.
- كيف؟؟
- ألم يخبرك بأن الشيح خطب ابنته لابنه عمر؟
- يا له من قليل المروءة! تصور! جلست معه أكثر من ساعتين.. ولم يخبرني بذلك..!!
منقـــــــــــــــــول