بسم الله الرحمن الرحيم
اضواء على دولة الامام المهدي عليه السلام دور العراق في حركة الإمام المهدي عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن على منكري فضائلهم إلى يوم الدين.
اللهم ربنا وفقنا وجميع المؤمنين، واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنّك أرحم الراحمين.
شمولية النظريّة الإسلاميّة:
عندما نتحدّث عن حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وندرس خريطة الحركة تظهر أمامنا مواقع كثيرة مهمّة ذُكِرَتْ في الروايات المستقبليّة لحركة الإمام، وأهم تلك المواقع هو العراق، وقد وجدنا موقع العراق على خارطة حركة الإمام، قد أخذ اهتماماً كبيراً في الروايات.
وقبل أن نتحدّث عن تفاصيل وجزئيات هذا الموقع الوارد في الروايات الشريفة لا بدّ من الحديث كمقدّمة أولى (لدفع دخل كما يقول العلماء) للموضوع بالحديث الجغرافي عن المناطق والأمكنة الجغرافية:
وذلك لأن الفكر الإسلامي يعالج مسألة المكان برؤية فلسفيّة ثورية واقعية، وموضوع (أثر المكان في حركة الإنسان)، من المواضيع المهمة والضرورية التي تجعل الباحث يتطرق إلى عالمية الإسلام والمفاهيم التي جاء بها كأدليوجية حملها الإنسان بدون قيد زماني أو مكاني.
فعندما نقرأ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)، فهو كسر لطوق المكانية وطوق الزمانية، يعني أن المؤثرات المكانية والزمانية سوف تنعدم عن الروح والفكر الثوري الإسلامي.
ونلاحظ أيضاً أن الأطروحات المؤطرة بأطر مكانية، كالأطروحة القومية، سواء ما سميت بالقومية العربية أو القومية الفارسية أو القومية الألمانية أو أي أطروحة قومية أخرى، قد برز فيها المكان واضحاً على الأطروحة، يعني أنه قد اُخذ في الأطروحة موضوع المكان كمسألة أساسية وأوّلية، يحدّد طوق تلك الأطروحة، وذلك المشروع الفكري، أو الثقافي الذي يطرح للأمّة المختصة بالمكان.
فالقومية العربية تتحدّث عن مكان محدد بوطن سموه الوطن العربي، والقومية الفارسية تحدّثت عن المكان الذي يحكمه جوّ من الانتماء العرقي أو الانتماء المكاني، وهكذا في القوميات الألمانية والقوميات الأخرى التي طرحت في أوربا في عصور تسبق ما طرح في وطننا العربي، أو وطننا الإسلامي.
ولا أريد أن أعالج مسألة المكان؛ وهل أنّ الإسلام قد أكّد على هذا المنطق في طرحه، وفي مفهومه، وفي المقدار الشرعي واللاشرعي فيه؛ لأن هذا الموضوع يجرنا للحديث عن مفهوم الوطن وعن مفهوم القومية، وقد سبق لي أن طرحت هذا الموضوع في كتب مطبوعة ومنشورة على نحو مستقل ومنشورة في عدّة صحف في العراق وفي غير العراق.
********************************************
خصوصيّة العراق:
لكني أريد أن أشير إلى أنّنا وإن تجاوزنا بطرحنا العام، وطرحنا الأممي المكاني، لأن الفكر الإسلامي تجاوز الموقع المكاني والزماني؛ فالإسلام ليس لأمّة دون أمّة، ولا لزمان دون زمان، مع أننا نؤكد على هذه الحقيقة فأننا نؤكّد أن هناك أموراً لابدّ أن نتحدّث عنها بواقعية، وهي: أنه كان للمكان في كثير من الأحيان خصوصيته في تحديد مواقع المبادئ والعقائد.
وعندما نتحدّث عن العراق، فإنّ العراق يحتاج للحديث عنه من خلال الرؤية الإمامية الشيعية للعراق، فنتحدّث عنه كمستقبل، ونتحدّث عنه كماضي مؤثّر في المستقبل ومؤثر في الحاضر، ونتحدّث عن العراق كموقع اهّتم به أهل البيت عليهم السلام فكرياً، واهتموا به تطبيقياً وميدانياً.
وهذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى تفصيل ويحتاج إلى حديث خاص لملاحظة ما ورد في العراق من روايات أهل البيت عليهم السلام من موقع قيادي في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكني أختصّ بالحديث في هذه المحاضرة عن العراق ودور العراق المستقبلي في حركة الإمام المهدي عليه السلام.
وقد وجدنا هناك تنوعاً في الروايات، كما وجدنا تحديداً لكثير من الخصوصيات التي تتحدّث عن العراق كموقع جغرافي، وقد عبّرنا عنه باصطلاح المكان.
وهناك شيء آخر وجدناه في الروايات التي تحدّثت عن الناس، والمجتمع الذي يعيش في هذه البقعة من الأرض، والذي قد أعبر عنه بالعراقيين، وأقصد سكان هذه الأرض بدون لحاظ الانتماء العرقي أو غير ذلك من الانتماءات، ومن دون تحديد الهوية والجنسية، وما إلى ذلك من التفصيلات مما يمكن للإنسان أن يتعرّض لها، أو لا بدّ للباحث أن يشخص تلك الخصوصيات، مثلاً مَنْ هو العراقي؟ ومَنْ هو غير العراقي؟ وسوف أغضّ الطرف عن هذه التفصيلات في هذه المحاضرة، لأني أرى أن الروايات تحدّثت عن العراقي الذي يكون متواجداً في هذه المنطقة، ويحمل همّ هذه الأرض، وينتمي جغرافيّاً وليس قطرياً وإقليمياً فحسب، بل ينتمي جغرافياً لهذه الأرض المسماة بالعراق.
مراحل دور العراق:
والعراق له دور مستقبلي في حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وبملاحظة الروايات التي تحدّثت عن العراق نجدها قد أخذت عدة صور في الحديث عنه، فمرّة تحدّثت الروايات عن العراق الذي يسبق الظهور، وأخرى تحدّثت عن العراق الذي يمهد للظهور، وأخرى تحدّثت عن العراق الذي سوف يشارك في الظهور.
بمعنى أن هناك مراحل ثلاثاً يمر بها العراق، وهذه المراحل الثلاث هي:
المرحلة الأولى: قبل التمهيد:
وهي المرحلة التي تسبق التمهيد للظهور، وقد قالت عنها الروايات: أن الأمّة في العراق سوف تعاني التمحيص، وسوف تعاني الابتلاء والشدة من حكام جور سيحكمون هذا البلد، ويحكمون هذه البقعة الجغرافية، حتّى يؤدي هذا الجور إلى حالات صعبة يمر بها العراق والشعب العراقي، وقد عبرت الروايات عن هذه الحالات بأنواع مختلفة.
ومن جملة تلك الأنواع التي يمر بها العراق في عصر قبل التمهيد، وهو العصر الأوّل الذي نتحدّث عنه المرارة التي يمر بها المجتمع العراقي، التي سوف تؤدّي إلى ضغوط كثيرة، منها ضغوط نفسيّة، وضغوط دينيّة، وضغوط اقتصادية، وحتّى ضغوط تكوينية تغير في طوبوغرافية المجتمع العراقي.
وإن هذه الصور المتعددة التي تحدّثت عنها الروايات قد صورت لنا أن العراق سوف يُحكم من قبل حكّام جور، وإن هؤلاء الحكام يغيرون كثيراً من خصوصيّة هذه المنطقة مما يجعل المنطقة تعيش في حصار اقتصادي، وهو المعبر عنه في الروايات بالجوع: (يشمل أهل العراق جوع ذريع.. يشمل أهل العراق نقص في الأموال)؛ هذا كله موجود في نصوص وروايات وردت عن الإمام الصادق عليه السلام والأئمّة عليهم السلام حيث تحدّثوا عن الجوع والحصار والألم الاقتصادي الذي يمر به الشعب العراقي قبل مرحلة التمهيد.
ومن الصحيح أن هذا شيء قد مر به العراق مرات كثيرة، ولكنّه قد يكون آخر مرة مرَّ به خلال الحقبة الزمنية الأخيرة التي تجاوزت العشر سنوات.
والشيء الآخر الذي يمر به العراق حالة الحروب المتكررة، وكثرة الدم، وكثرة القتل، وكثرة الذبح، مما يؤدي إلى انتشار حالة اجتماعية مرفوضة، وهي حالة الخوف الذريع. والخوف الذريع سببه إنعدام الأمن الذي سوف يكون في العراق.
وهذا الخوف الذريع _ للأسف الشديد _ سوف يؤثر على إرادة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته تحكمه خصوصيات اجتماعية ونفسية وإن أراد أن يتجرد منها أو يكبر عليها، لكن هناك ضغوط اجتماعية قد تفقد الإنسان في كثير من الأحيان إرادته، وهذه الحالة سببها الخوف، والذي يمكن أن نرجع سكوت الشعب العراقي أو كثير من قطاعات الشعب العراقي عما مرَّ عليه من الاضطهاد، والحرمان، والعذاب، والقتل وما إلى ذلك، مع أنه كان _ تقريباً _ ساكتاً بالشكل العام نتيجة في كثير من الأحيان لما يفسر بفقدان الإرادة، فالإنسان عندما يرى الظلم لا بدّ أن يقاتل الظلم لكنه كان فاقد الإرادة أمام الظلم، وغير قادر على أن يجابه الظلام والحكام الذين سبق وأن حكموه وسلبوا إرادته.
إنّ هذه الحالة تظهر قبل مرحلة التمهيد، والتي عبر عنها الأئمّة عليهم السلام في كثير من تلك الأحيان بأنه وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه.
هذا الخوف الذريع قد يؤدي إلى تغيير خصوصيات التفكير عند الإنسان، ولكن مع كل ذلك فإن هذا الخوف الذريع، قد يؤدّي إلى حالة إيجابية أيضاً، ليست الحالة سلبية فقط، فقد تكون هناك حالة إيجابية، وهذه الحالة الإيجابية تميز وتغربل الناس بغربال كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: (بغربال) تميّزهم على قسمين وهذه الرواية رواها النعماني في غيبته عن أبي بصير عندما كلّمه الإمام الصادق عمّا يمر على أهل العراق من الفتن والامتحان والبلايا، وأنهم يغربلون كغربلة الغربال فيميز أحدهم عن الآخر، الرديء عن الحسن.
هذا التمييز إنما يأتي من الفتن، يأتي من الضغوط التي يمر بها المجتمع العراقي في هذه المرحلة.
وهنا قد يثار سؤال: لماذا يمتحن هذا الشعب بهذا الامتحان دون غيره من شعوب العالم، ومناطق الدنيا؟
قد نجد أكثر الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور ذكرت فيها منطقة العراق، بحيث أنّ الفقيه والقارئ المستنبط لتلك الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور يجد أكثر تلك الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور وما فيها من علامات ودلالات وآيات وما إلى ذلك أنها سوف تحدث في العراق؟
ففي هذه المرحلة التمهيدية (المرحلة الأولى) نجد أكثر هذه العلامات تصير وتحدث في العراق قبل أن تشمل العالم وقبل أن تشمل المناطق الأخرى.. لماذا هذا التمحيص والابتلاء في العراق؟ لماذا هذا الامتحان وشدة الامتحان في العراق؟
الجواب: لأن الله سبحانه وتعالى أخذ العراق مكاناً جغرافياً مهماً لحركة الإمام المهدي، وهو الذي نقرؤه في العصر الثالث، وهو عصر ظهوره وعصر حركته عليه السلام ، فإنّ موقع التحرك المهم يكون في العراق، ولذلك سوف يكون هذا الموقع لأهميته بمستوى هذه المهمة، وأن يكون الجمهور والمجتمع والناس الذين يسكنون في هذا الموقع الجغرافي يكونون بمستوى هذه المهمة.
بمعنى أنه لا بدّ من تناسب طردي بين المهمة، وبين شخصية المجتمع الذي يسكن في تلك الأرض التي تتحمل هذه المهمة، فعندما نقرأ أن عاصمة الإمام المهدي عليه السلام سوف تكون في العراق، وتكون في الكوفة، وعندما نقرأ أن مرحلة تحرك الإمام المهدي عليه السلام تكون من الكوفة، أو من العراق؛ فلا بدّ أن يكون المجتمع في ذلك الموقع قد تحمل كل الامتحانات ولم يسقط أمامها، وتحمل كل الهموم ولم يسقط أمامها.
هذا المجتمع الذي لم يسقط، أو الذي خرج من الامتحان ناجحاً يكون مؤهلاً لقيادة البشرية وقيادة العالم، فلذلك ولأجل أن يكون هذا المجتمع القائد، والمجتمع الرائد الذي يقوم بمرحلة هداية البشرية، لا بدّ أن يكون قد مر بالامتحانات السابقة الصعبة وقد خرج منها ناجحاً.
وبالفعل كان التأكيد الإلهي على العراق؛ لأن العراق دولة الإمام، ولأن العراق مجتمع الإمام، ولأن العراق محط قادة الإمام وجند الإمام، ولذلك فلابد لهذا المجتمع أن يمر بالامتحان.
إذن هذا الامتحان وهذا العذاب وهذا التمحيص لم يكن سخطاً إلهياً على المجتمع كما يصوّره بعض الناس عندما يقرؤون حركة الإمام، وإنما هذه العلامات التي تظهر من أجل أن يوفر المجتمع كل خصوصيات، وكل صفات القيادة المؤهلة له لقيادة البشرية.
نلاحظ الدور الإيجابي للمجتمع العراقي في عصر الظهور، هذا الدور مترابط بالمراحل.
إذن فهذا العذاب وهذه المرارة التي يمر بها العراق ويمر بها المجتمع العراقي سوف يؤهّله وينظّمه ليأخذ دوره الطبيعي.
ونحن في عقيدتنا الإمامية نعتقد أن الامام المهدي عليه السلام لا يظهر بصورة إعجازية، ويريد أن يثبت الإعجاز في الأرض، وفي الوجود، وإنما يظهر عليه السلام بشكل طبيعي عندما تتوفّر القواعد وتتهيّأ القيادة المؤهّلة لذلك الدور التغييري للعالم، وليس للعراق فقط، وليس للعرب فقط، وليس للمسلمين فقط، وإنما التغيير الأرضي، وبواسطة التغيير الأرضي سوف يكون هناك تغيير كوني، فالكون سوف يتغيّر.
وقد تعجب كيف يكون تغيير الكون؟! ولإزالة هذا التعجب نحتاج إلى حديث خاص حول دور المهدي في تغيير المجموعة الشمسيّة وحركة المجموعة الشمسيّة، وهذا فيه لحاظات ليست انطلاقاً من الروايات والأحاديث المقدسة فقط وإنما من خلال بحوث علمية تتحدّث عن هذا التغيير الكوني الذي سوف يحدث في عصر المهدي عليه السلام.
************************************
المرحلة الثانية: التمهيد:
هذا التغيير الذي يقوم به الإمام يبتدئ من العراق، ولذلك يحتاج هذا الدور إلى تمهيد، وهو المرحلة الثانية:
وفي مرحلة التمهيد يأخذ العراق دوراً كبيراً قبل أن يتحرك الإمام، وقبل أن يظهر الإمام.
ولا بدّ لهذا المجتمع الذي خرج من الامتحان ناجحاً أن يكون له دور الممهّد لظهور الإمام المهدي عليه السلام.
وهناك روايات تتحدّث عن الممهدين للمهدي سلطانه، وعن الموطّئين الذين تعبّر عنهم الروايات: الموطئون للمهدي سلطانه وان هؤلاء ينطلقون بحركتهم من العراق إلى خراسان، في حركة متواصلة.
ولا أريد أن أتحدّث عن الجانب الجغرافي لوجود هذه الحركة المتّصلة؛ العراق.. خراسان.. والمناطق الأخرى، وإنّما أتحدّث عن هذا الجانب في هذه المحاضرة وهو: أنّ العراق جزء من الموطّئين والممهّدين للإمام المهدي عليه السلام.
وهناك روايات متنوّعة تحدّثت عن هذا التمهيد، ومن جملة تلك الروايات التي تحدّثت عن أن هناك قوى بمستوى الوعي، وبمستوى الإدراك، وبمستوى المسؤولية للتغيير الشمولي للدنيا في العراق قبل الظهور، اقرأ هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام:
قال: ¬(يدخل الكوفة _ يعني الإمام المهدي عليه السلام _ وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء).
لاحظ شيئين:
الشيء الأوّل: أنّه يأتي العراق، فلو كان العراق لا يملك التأهيل المناسب لاستمرار ثورته لانتقلت حركة الإمام إلى منطقة أخرى، مثلاً: إلى الشام، أو إلى خراسان، أو إلى اليمن، أو إلى مصر، لكنه تجاوز كل تلك المناطق وتحرك بمجرّد أن نجح في مكّة والمدينة _ كما تقول الروايات _ وتوجّه إلى العراق.
والجهة التي يتحرّك، وينطلق منها إلى الدنيا هي العراق فيؤسّس الدولة المهدويّة في العراق، ثمّ بعد ذلك ينطلق إلى الدنيا.
ولا يتصوّر البعض في حركة الإمام الجانب السلبي الذي سمعناه وقرأناه في كثير من المرّات، حيث تحدّث بعض الناس عن العراق بشكل سلبي فقط، وإنما سوف يكون للعراق دور إيجابي، هذا الدور الإيجابي فيه ثلاث رايات.
بعض الروايات تقول فيها: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني هذه ثلاث رايات وهي رايات هدىً؛ يعني أنّ القوى الحاكمة في المنطقة قوىً لها امتداد عميق في الأمّة، وهي قوىً تشكل براياتها الثلاث _ والراية تمثل عملاً إيجابياً _ قوى مسلّحة أو قوى غير مسلحة عسكرياً، ولكن تملك الجمهور الذي يساند هذه الراية؛ وهذه القوى هي الموطّئة والممهّدة.
وعندما يأتي المهدي تكون هذه القوى قد فَرَّغَتْ العراق له، ولذلك لم نقرأ في الروايات أن هناك حرباً تجري في العراق بين الإمام المهدي وبين أهل العراق، ولا توجد أي رواية بهذا الصدد إلاّ رواية البتريّة التي تحدّثت عن أولئك الستة عشر ألف الذين يخرجون ويسمّون البتريّة يقولون عندما يظهر الإمام: ما لنا ولك يا بن فاطمة ارجع لا شأن ولا شغل لنا معك فيضع السيف فيهم.
أولئك البتريّة قوم غرباء عن العراق، والبترية لم يكونوا من الشيعة، إنما هم قوم غرباء عن العراق، وغرباء عن التشيع، وغرباء عن شخصيّة هذا المجتمع العراقي، لكنّ الحرب تكون على الأرض العراقية، وأمّا الشعب لم يكن شعباً عراقياً، ولم يكن مجتمعاً عراقياً، وان الذي يقاتل هؤلاء هو الإمام المهدي بالرايات الثلاث: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني التي تكون قد نشرت. ولا نقصد بالغرباء أنهم غرباء الجنسية، وإنما نقصد بالغربة غربة الشخصية فقد يكون أولئك من شذاذ سكنة هذه الأرض ولكنهم غرباء عنها وعن أهلها بالشخصية والطبعية.
الشيء الثاني: الاضطراب الذي تذكره الرواية قد يكون له معنيان: الأوّل: معنىً من معاني الاضطراب الاهتزازي كما لو اهتزت تلك الرايات لشدة وكثرة الجمهور والقواعد التي تحمل تلك الراية يعبّر عنها أيضاً بعبارة: (قد اضطربت).
وهناك تفسير آخر قد يكون للاضطراب: وهو حالة من اللاتفاهم الجزئي، أو حالة من الاختلاف الجزئي الذي قد يكون بين هذه الرايات، ثمّ تسقط وتتلاشى هذه الاختلافات على يد الإمام عليه السلام.
وهذا الوضع يوضّح أن هناك قوىً قبل ظهور الإمام، وأن هذه القوى تمهّد للإمام، وتوطّئ للإمام عليه السلام.
والرواية تتحدّث عن المجتمع العراقي تقول: (حتّى يأتي المنبر)؛ يعني لم يكن للإمام مدّة طويلة عند دخوله العراق، وإنما بمجرد أن يصل الإمام عليه السلام إلى الكوفة فإنه يصعد المنبر، ويخطب بالناس (فلا يدري الناس ما يقول من البكاء).
لاحظ: قوله عليه السلام: (فلا يدري الناس ما يقول من البكاء) لا يفهم الناس ما يقول الإمام، لأن حالة البكاء شملت الناس، وهذا يفسّر شيئين:
أوّلاً: كثرة الجمهور، لأنه لو كان بكاءاً فردياً لانتبهوا.
ثانياً: يعطيك مدلول الحالة النفسية والعاطفيّة بين الجمهور والقائد بما تعني الحالة العاطفيّة والانفعال في أوج من حالات الترقب والفرح والحضور في أعلى مستوياتها، حيث غلب البكاء على الجمهور.
إذن هذه القاعدة التي تكون قبل ظهور الإمام لم تكن قاعدة صغيرة، ولم تكن هذه القاعدة شاذّة أو تعبّر عن حالة فردانية بالحضور، وإنما تكون قاعدة واسعة من حيث الكم، وتكون قاعدة واعية ومتّفقة عقائديّاً وعاطفيّاًَ مع الإمام لذلك يأخذها الانفعال الذي يغلب على كل حواس الإنسان سواء السمع أو غيره، لأنّ الإنسان الحاضر قد توجّه بكلّه إلى الإمام.
هذا الوضع يعطينا أملاً في هذه الظلمة التي نعيشها، إذ ربما الإنسان في مثل هذا الجو يعيش الاحباط فهو عندما يخرج إلى الشارع وعندما يخرج إلى المجتمع يجد كثيراً من الأشياء المنكرة فقد تأخذه حالة من حالات اليأس، وحالة من حالات فقد الإرادة التي يعيش بها العالم الإسلامي والعالم العربي الآن.
إن هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الأمّة ككل، هو فقدان الجانب الفاعل في الإنسان، والجانب المؤثّر في الإنسان.
والذي يعطي الزخم المستقبلي الإيجابي هو العقيدة المهدوية عندما تكون في هذه المرحلة بكل خصوصيّاتها الشيعيّة التي تحكم الإنسان وفكر الإنسان، وتكون مؤهّلة للظهور.
إنّ هذه الحالة من حالات الهزيمة التي نعيشها، والمعمقة في الهزيمة السياسية بعد الهزيمة العسكرية في عدّة مواقع وقعنا فيها ابتداءاً من حرب حزيران وانتهاءاً بحرب أمريكا سوف تكون في مرحلة زمنية محدودة، وفي مرحلتنا هذه لا تكون طويلة وممتدّة، وإنما سوف تنقلب هذه الهزيمة إلى حالة إيجابية عندما نرتبط مع الروح الحقيقيّة للعقيدة الشيعيّة بما تفهمه عن الحركة المهدوية.
**************************************
المرحلة الثالثة: العراق في عصر الظهور:
قرأت الآن مجموعة من الروايات، وأنا أتحدّث عنها بشكل سريع، فإنها تحدّثت عن أهميّة العراق ودور العراق المستقبلي.
ونجد بعض تلك الروايات قد تحدّث عن هذا المجتمع من حيث كل الخصوصيّات التغييريّة يصنع على عين الإمام وحركة الإمام، ولذلك فإنّ أوّل شيء يقوم به الإمام عليه السلام هو الوصول إلى العراق، ويؤسّس في العراق هذه الدولة، وسيكون مقرّ الدولة الكوفة.
وتقول هذه الروايات هكذا تكون الأمور، حتّى أنّها تحدّثت عن الكوفة، وعن علاقة الكوفة بهذه القيادة، تقول: (ويكون أسعد الناس به أهل الكوفة). إشارة إلى العراق؛ والروايات عندما تتحدّث عن الكوفة فهي تعني العراق ككل وعموماً، أي بالشكل العام.
وعندما تتحدّث عن العراق تقول: (أسعد الناس به أهل الكوفة)، ولم تقل الرواية: (أفرح الناس)، أي أكثر فرحاً، بل هم أكثر سعادةً، لأن هذا الشعب تحمّل الكثير من أجل الإمام عليه السلام ، وتحمّل الكثير من أجل أهل البيت عليهم السلام ، فيكون حينئذٍ محل اقتطاف تلك الثمرة هو هذا المجتمع في هذه الأرض فلذلك يكون الناس سعداء، بمعنى مرتاحين من جميع الجوانب؛ الجوانب الحضاريّة، والمدنية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية، وكل الجوانب التي ترتبط بحياة الإنسان، وحينها تتوفّر أحسن سبل الراحة في العراق وفي عصر الإمام عليه السلام.
ولذلك نجد الإنسان في العراق سوف يتغيّر من حالة الهزيمة والتعب، والمرارة، والعذاب، والشقاء يتحوّل إلى مجتمع مثالي. ولا بدّ أن نتحدّث عنه ضمن الحديث عن خصوصيّات المجتمع المهدوي في محاضرة مستقلة.
عاصمة الدولة المهدوية:
المجتمع المهدوي يختلف عن باقي المجتمعات بخصوصيّات لم تتوفّر قبل الظهور، وإنما تكون هذه الخصوصيات قد توفرت بعد ظهوره عليه السلام ، فعندما تتوفر السبل العمرانية والحضارية فبطبيعة الحال يكون ذلك سبباً للهجرة، فعلى سبيل المثال عندما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة فإنه قد كان لا يقطنها إلاّ الأوس والخزرج وبعض اليهود في مناطق وحصون بعيدة عن داخل المدينة، أي أن المدينة المنورة كانت قرية صغيرة؛ أمّا مكّة فكانت تسمّى أمّ القرى، لأنّ فيها كل وسائل الراحة التي تجبى من الشام، وتجبى من اليمن، ومن حضارات الدنيا من الفرس والروم، وما إلى ذلك، ولكن بعدما جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة عاصمة له وحينها بدأت الهجرة إليها من باقي المناطق حتّى أهل مكّة أنفسهم قد هاجروا إليها لتوفّر وسائل الراحة، ولذلك صار المهاجرون من حيث الكم والنفوس العدد الأكبر بالنسبة إلى سكّان المدينة والتنوّع من جميع العرقيّات ومن جميع الناس، حتّى تجد الرومي _ الرومي يعني الأوربي في زماننا _ قد سكن المدينة.
وفي عصر الإمام وعندما يكون العراق، وتكون الكوفة عاصمة الإمام وتتوفّر في هذه العاصمة كل وسائل الراحة وتطوّرات المدنيّة، فحينئذٍ يكون الحضور والهجرة بكثرة بحيث تعبّر تلك الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب واتّصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء).
يعني أن الدنيا سوف تهاجر إلى هذه المنطقة الخربة، التي خرّبها صدام وخرّبتها الأنظمة. وسوف يعمّرها المهدي، وتعمّر في عصر قبل المهدي، ولكن يتم التعمير الأعظم عندما يظهر بقية الله.
وهذا التطوّر في هذه المنطقة بالخصوص _ وهي العراق _ سوف يكون حقّاً أسعد الناس به أهل الكوفة، يعني أهل العراق، لما يظهر في هذه المنطقة من تطوّر كبير، والحديث طويل جدّاً.
واكتفي بهذا المقدار، لكني أرجو أن يوفّق الحاضرون لمتابعة الموضوع ومعرفة الدور المطلوب من العراقي.
طبعاً أن القضية المهدوية بالبداية عقيدة في العقول والنفوس، ولكننا نؤمن أن العقيدة المهدوية لها آثارها الحياتية في واقع المجتمع العراقي، وهناك بحث كتبته سابقاً هو: أثر العقيدة المهدوية في الفكر السني، يعني الفارق بين أثر العقيدة المهدوية في الفكر السني عن الفكر الشيعي وأثر العقيدة المهدوية في تأريخ الشيعة وحاضر الشيعة، وأهم أثر واقعي هو أن يعيش الإنسان الإيجاب والإيجابية والتغيير والتحول نحو الأحسن.
والحمد لله رب العالمين
اضواء على دولة الامام المهدي عليه السلام دور العراق في حركة الإمام المهدي عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن على منكري فضائلهم إلى يوم الدين.
اللهم ربنا وفقنا وجميع المؤمنين، واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنّك أرحم الراحمين.
شمولية النظريّة الإسلاميّة:
عندما نتحدّث عن حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وندرس خريطة الحركة تظهر أمامنا مواقع كثيرة مهمّة ذُكِرَتْ في الروايات المستقبليّة لحركة الإمام، وأهم تلك المواقع هو العراق، وقد وجدنا موقع العراق على خارطة حركة الإمام، قد أخذ اهتماماً كبيراً في الروايات.
وقبل أن نتحدّث عن تفاصيل وجزئيات هذا الموقع الوارد في الروايات الشريفة لا بدّ من الحديث كمقدّمة أولى (لدفع دخل كما يقول العلماء) للموضوع بالحديث الجغرافي عن المناطق والأمكنة الجغرافية:
وذلك لأن الفكر الإسلامي يعالج مسألة المكان برؤية فلسفيّة ثورية واقعية، وموضوع (أثر المكان في حركة الإنسان)، من المواضيع المهمة والضرورية التي تجعل الباحث يتطرق إلى عالمية الإسلام والمفاهيم التي جاء بها كأدليوجية حملها الإنسان بدون قيد زماني أو مكاني.
فعندما نقرأ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)، فهو كسر لطوق المكانية وطوق الزمانية، يعني أن المؤثرات المكانية والزمانية سوف تنعدم عن الروح والفكر الثوري الإسلامي.
ونلاحظ أيضاً أن الأطروحات المؤطرة بأطر مكانية، كالأطروحة القومية، سواء ما سميت بالقومية العربية أو القومية الفارسية أو القومية الألمانية أو أي أطروحة قومية أخرى، قد برز فيها المكان واضحاً على الأطروحة، يعني أنه قد اُخذ في الأطروحة موضوع المكان كمسألة أساسية وأوّلية، يحدّد طوق تلك الأطروحة، وذلك المشروع الفكري، أو الثقافي الذي يطرح للأمّة المختصة بالمكان.
فالقومية العربية تتحدّث عن مكان محدد بوطن سموه الوطن العربي، والقومية الفارسية تحدّثت عن المكان الذي يحكمه جوّ من الانتماء العرقي أو الانتماء المكاني، وهكذا في القوميات الألمانية والقوميات الأخرى التي طرحت في أوربا في عصور تسبق ما طرح في وطننا العربي، أو وطننا الإسلامي.
ولا أريد أن أعالج مسألة المكان؛ وهل أنّ الإسلام قد أكّد على هذا المنطق في طرحه، وفي مفهومه، وفي المقدار الشرعي واللاشرعي فيه؛ لأن هذا الموضوع يجرنا للحديث عن مفهوم الوطن وعن مفهوم القومية، وقد سبق لي أن طرحت هذا الموضوع في كتب مطبوعة ومنشورة على نحو مستقل ومنشورة في عدّة صحف في العراق وفي غير العراق.
********************************************
خصوصيّة العراق:
لكني أريد أن أشير إلى أنّنا وإن تجاوزنا بطرحنا العام، وطرحنا الأممي المكاني، لأن الفكر الإسلامي تجاوز الموقع المكاني والزماني؛ فالإسلام ليس لأمّة دون أمّة، ولا لزمان دون زمان، مع أننا نؤكد على هذه الحقيقة فأننا نؤكّد أن هناك أموراً لابدّ أن نتحدّث عنها بواقعية، وهي: أنه كان للمكان في كثير من الأحيان خصوصيته في تحديد مواقع المبادئ والعقائد.
وعندما نتحدّث عن العراق، فإنّ العراق يحتاج للحديث عنه من خلال الرؤية الإمامية الشيعية للعراق، فنتحدّث عنه كمستقبل، ونتحدّث عنه كماضي مؤثّر في المستقبل ومؤثر في الحاضر، ونتحدّث عن العراق كموقع اهّتم به أهل البيت عليهم السلام فكرياً، واهتموا به تطبيقياً وميدانياً.
وهذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى تفصيل ويحتاج إلى حديث خاص لملاحظة ما ورد في العراق من روايات أهل البيت عليهم السلام من موقع قيادي في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكني أختصّ بالحديث في هذه المحاضرة عن العراق ودور العراق المستقبلي في حركة الإمام المهدي عليه السلام.
وقد وجدنا هناك تنوعاً في الروايات، كما وجدنا تحديداً لكثير من الخصوصيات التي تتحدّث عن العراق كموقع جغرافي، وقد عبّرنا عنه باصطلاح المكان.
وهناك شيء آخر وجدناه في الروايات التي تحدّثت عن الناس، والمجتمع الذي يعيش في هذه البقعة من الأرض، والذي قد أعبر عنه بالعراقيين، وأقصد سكان هذه الأرض بدون لحاظ الانتماء العرقي أو غير ذلك من الانتماءات، ومن دون تحديد الهوية والجنسية، وما إلى ذلك من التفصيلات مما يمكن للإنسان أن يتعرّض لها، أو لا بدّ للباحث أن يشخص تلك الخصوصيات، مثلاً مَنْ هو العراقي؟ ومَنْ هو غير العراقي؟ وسوف أغضّ الطرف عن هذه التفصيلات في هذه المحاضرة، لأني أرى أن الروايات تحدّثت عن العراقي الذي يكون متواجداً في هذه المنطقة، ويحمل همّ هذه الأرض، وينتمي جغرافيّاً وليس قطرياً وإقليمياً فحسب، بل ينتمي جغرافياً لهذه الأرض المسماة بالعراق.
مراحل دور العراق:
والعراق له دور مستقبلي في حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وبملاحظة الروايات التي تحدّثت عن العراق نجدها قد أخذت عدة صور في الحديث عنه، فمرّة تحدّثت الروايات عن العراق الذي يسبق الظهور، وأخرى تحدّثت عن العراق الذي يمهد للظهور، وأخرى تحدّثت عن العراق الذي سوف يشارك في الظهور.
بمعنى أن هناك مراحل ثلاثاً يمر بها العراق، وهذه المراحل الثلاث هي:
المرحلة الأولى: قبل التمهيد:
وهي المرحلة التي تسبق التمهيد للظهور، وقد قالت عنها الروايات: أن الأمّة في العراق سوف تعاني التمحيص، وسوف تعاني الابتلاء والشدة من حكام جور سيحكمون هذا البلد، ويحكمون هذه البقعة الجغرافية، حتّى يؤدي هذا الجور إلى حالات صعبة يمر بها العراق والشعب العراقي، وقد عبرت الروايات عن هذه الحالات بأنواع مختلفة.
ومن جملة تلك الأنواع التي يمر بها العراق في عصر قبل التمهيد، وهو العصر الأوّل الذي نتحدّث عنه المرارة التي يمر بها المجتمع العراقي، التي سوف تؤدّي إلى ضغوط كثيرة، منها ضغوط نفسيّة، وضغوط دينيّة، وضغوط اقتصادية، وحتّى ضغوط تكوينية تغير في طوبوغرافية المجتمع العراقي.
وإن هذه الصور المتعددة التي تحدّثت عنها الروايات قد صورت لنا أن العراق سوف يُحكم من قبل حكّام جور، وإن هؤلاء الحكام يغيرون كثيراً من خصوصيّة هذه المنطقة مما يجعل المنطقة تعيش في حصار اقتصادي، وهو المعبر عنه في الروايات بالجوع: (يشمل أهل العراق جوع ذريع.. يشمل أهل العراق نقص في الأموال)؛ هذا كله موجود في نصوص وروايات وردت عن الإمام الصادق عليه السلام والأئمّة عليهم السلام حيث تحدّثوا عن الجوع والحصار والألم الاقتصادي الذي يمر به الشعب العراقي قبل مرحلة التمهيد.
ومن الصحيح أن هذا شيء قد مر به العراق مرات كثيرة، ولكنّه قد يكون آخر مرة مرَّ به خلال الحقبة الزمنية الأخيرة التي تجاوزت العشر سنوات.
والشيء الآخر الذي يمر به العراق حالة الحروب المتكررة، وكثرة الدم، وكثرة القتل، وكثرة الذبح، مما يؤدي إلى انتشار حالة اجتماعية مرفوضة، وهي حالة الخوف الذريع. والخوف الذريع سببه إنعدام الأمن الذي سوف يكون في العراق.
وهذا الخوف الذريع _ للأسف الشديد _ سوف يؤثر على إرادة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته تحكمه خصوصيات اجتماعية ونفسية وإن أراد أن يتجرد منها أو يكبر عليها، لكن هناك ضغوط اجتماعية قد تفقد الإنسان في كثير من الأحيان إرادته، وهذه الحالة سببها الخوف، والذي يمكن أن نرجع سكوت الشعب العراقي أو كثير من قطاعات الشعب العراقي عما مرَّ عليه من الاضطهاد، والحرمان، والعذاب، والقتل وما إلى ذلك، مع أنه كان _ تقريباً _ ساكتاً بالشكل العام نتيجة في كثير من الأحيان لما يفسر بفقدان الإرادة، فالإنسان عندما يرى الظلم لا بدّ أن يقاتل الظلم لكنه كان فاقد الإرادة أمام الظلم، وغير قادر على أن يجابه الظلام والحكام الذين سبق وأن حكموه وسلبوا إرادته.
إنّ هذه الحالة تظهر قبل مرحلة التمهيد، والتي عبر عنها الأئمّة عليهم السلام في كثير من تلك الأحيان بأنه وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه.
هذا الخوف الذريع قد يؤدي إلى تغيير خصوصيات التفكير عند الإنسان، ولكن مع كل ذلك فإن هذا الخوف الذريع، قد يؤدّي إلى حالة إيجابية أيضاً، ليست الحالة سلبية فقط، فقد تكون هناك حالة إيجابية، وهذه الحالة الإيجابية تميز وتغربل الناس بغربال كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: (بغربال) تميّزهم على قسمين وهذه الرواية رواها النعماني في غيبته عن أبي بصير عندما كلّمه الإمام الصادق عمّا يمر على أهل العراق من الفتن والامتحان والبلايا، وأنهم يغربلون كغربلة الغربال فيميز أحدهم عن الآخر، الرديء عن الحسن.
هذا التمييز إنما يأتي من الفتن، يأتي من الضغوط التي يمر بها المجتمع العراقي في هذه المرحلة.
وهنا قد يثار سؤال: لماذا يمتحن هذا الشعب بهذا الامتحان دون غيره من شعوب العالم، ومناطق الدنيا؟
قد نجد أكثر الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور ذكرت فيها منطقة العراق، بحيث أنّ الفقيه والقارئ المستنبط لتلك الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور يجد أكثر تلك الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور وما فيها من علامات ودلالات وآيات وما إلى ذلك أنها سوف تحدث في العراق؟
ففي هذه المرحلة التمهيدية (المرحلة الأولى) نجد أكثر هذه العلامات تصير وتحدث في العراق قبل أن تشمل العالم وقبل أن تشمل المناطق الأخرى.. لماذا هذا التمحيص والابتلاء في العراق؟ لماذا هذا الامتحان وشدة الامتحان في العراق؟
الجواب: لأن الله سبحانه وتعالى أخذ العراق مكاناً جغرافياً مهماً لحركة الإمام المهدي، وهو الذي نقرؤه في العصر الثالث، وهو عصر ظهوره وعصر حركته عليه السلام ، فإنّ موقع التحرك المهم يكون في العراق، ولذلك سوف يكون هذا الموقع لأهميته بمستوى هذه المهمة، وأن يكون الجمهور والمجتمع والناس الذين يسكنون في هذا الموقع الجغرافي يكونون بمستوى هذه المهمة.
بمعنى أنه لا بدّ من تناسب طردي بين المهمة، وبين شخصية المجتمع الذي يسكن في تلك الأرض التي تتحمل هذه المهمة، فعندما نقرأ أن عاصمة الإمام المهدي عليه السلام سوف تكون في العراق، وتكون في الكوفة، وعندما نقرأ أن مرحلة تحرك الإمام المهدي عليه السلام تكون من الكوفة، أو من العراق؛ فلا بدّ أن يكون المجتمع في ذلك الموقع قد تحمل كل الامتحانات ولم يسقط أمامها، وتحمل كل الهموم ولم يسقط أمامها.
هذا المجتمع الذي لم يسقط، أو الذي خرج من الامتحان ناجحاً يكون مؤهلاً لقيادة البشرية وقيادة العالم، فلذلك ولأجل أن يكون هذا المجتمع القائد، والمجتمع الرائد الذي يقوم بمرحلة هداية البشرية، لا بدّ أن يكون قد مر بالامتحانات السابقة الصعبة وقد خرج منها ناجحاً.
وبالفعل كان التأكيد الإلهي على العراق؛ لأن العراق دولة الإمام، ولأن العراق مجتمع الإمام، ولأن العراق محط قادة الإمام وجند الإمام، ولذلك فلابد لهذا المجتمع أن يمر بالامتحان.
إذن هذا الامتحان وهذا العذاب وهذا التمحيص لم يكن سخطاً إلهياً على المجتمع كما يصوّره بعض الناس عندما يقرؤون حركة الإمام، وإنما هذه العلامات التي تظهر من أجل أن يوفر المجتمع كل خصوصيات، وكل صفات القيادة المؤهلة له لقيادة البشرية.
نلاحظ الدور الإيجابي للمجتمع العراقي في عصر الظهور، هذا الدور مترابط بالمراحل.
إذن فهذا العذاب وهذه المرارة التي يمر بها العراق ويمر بها المجتمع العراقي سوف يؤهّله وينظّمه ليأخذ دوره الطبيعي.
ونحن في عقيدتنا الإمامية نعتقد أن الامام المهدي عليه السلام لا يظهر بصورة إعجازية، ويريد أن يثبت الإعجاز في الأرض، وفي الوجود، وإنما يظهر عليه السلام بشكل طبيعي عندما تتوفّر القواعد وتتهيّأ القيادة المؤهّلة لذلك الدور التغييري للعالم، وليس للعراق فقط، وليس للعرب فقط، وليس للمسلمين فقط، وإنما التغيير الأرضي، وبواسطة التغيير الأرضي سوف يكون هناك تغيير كوني، فالكون سوف يتغيّر.
وقد تعجب كيف يكون تغيير الكون؟! ولإزالة هذا التعجب نحتاج إلى حديث خاص حول دور المهدي في تغيير المجموعة الشمسيّة وحركة المجموعة الشمسيّة، وهذا فيه لحاظات ليست انطلاقاً من الروايات والأحاديث المقدسة فقط وإنما من خلال بحوث علمية تتحدّث عن هذا التغيير الكوني الذي سوف يحدث في عصر المهدي عليه السلام.
************************************
المرحلة الثانية: التمهيد:
هذا التغيير الذي يقوم به الإمام يبتدئ من العراق، ولذلك يحتاج هذا الدور إلى تمهيد، وهو المرحلة الثانية:
وفي مرحلة التمهيد يأخذ العراق دوراً كبيراً قبل أن يتحرك الإمام، وقبل أن يظهر الإمام.
ولا بدّ لهذا المجتمع الذي خرج من الامتحان ناجحاً أن يكون له دور الممهّد لظهور الإمام المهدي عليه السلام.
وهناك روايات تتحدّث عن الممهدين للمهدي سلطانه، وعن الموطّئين الذين تعبّر عنهم الروايات: الموطئون للمهدي سلطانه وان هؤلاء ينطلقون بحركتهم من العراق إلى خراسان، في حركة متواصلة.
ولا أريد أن أتحدّث عن الجانب الجغرافي لوجود هذه الحركة المتّصلة؛ العراق.. خراسان.. والمناطق الأخرى، وإنّما أتحدّث عن هذا الجانب في هذه المحاضرة وهو: أنّ العراق جزء من الموطّئين والممهّدين للإمام المهدي عليه السلام.
وهناك روايات متنوّعة تحدّثت عن هذا التمهيد، ومن جملة تلك الروايات التي تحدّثت عن أن هناك قوى بمستوى الوعي، وبمستوى الإدراك، وبمستوى المسؤولية للتغيير الشمولي للدنيا في العراق قبل الظهور، اقرأ هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام:
قال: ¬(يدخل الكوفة _ يعني الإمام المهدي عليه السلام _ وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء).
لاحظ شيئين:
الشيء الأوّل: أنّه يأتي العراق، فلو كان العراق لا يملك التأهيل المناسب لاستمرار ثورته لانتقلت حركة الإمام إلى منطقة أخرى، مثلاً: إلى الشام، أو إلى خراسان، أو إلى اليمن، أو إلى مصر، لكنه تجاوز كل تلك المناطق وتحرك بمجرّد أن نجح في مكّة والمدينة _ كما تقول الروايات _ وتوجّه إلى العراق.
والجهة التي يتحرّك، وينطلق منها إلى الدنيا هي العراق فيؤسّس الدولة المهدويّة في العراق، ثمّ بعد ذلك ينطلق إلى الدنيا.
ولا يتصوّر البعض في حركة الإمام الجانب السلبي الذي سمعناه وقرأناه في كثير من المرّات، حيث تحدّث بعض الناس عن العراق بشكل سلبي فقط، وإنما سوف يكون للعراق دور إيجابي، هذا الدور الإيجابي فيه ثلاث رايات.
بعض الروايات تقول فيها: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني هذه ثلاث رايات وهي رايات هدىً؛ يعني أنّ القوى الحاكمة في المنطقة قوىً لها امتداد عميق في الأمّة، وهي قوىً تشكل براياتها الثلاث _ والراية تمثل عملاً إيجابياً _ قوى مسلّحة أو قوى غير مسلحة عسكرياً، ولكن تملك الجمهور الذي يساند هذه الراية؛ وهذه القوى هي الموطّئة والممهّدة.
وعندما يأتي المهدي تكون هذه القوى قد فَرَّغَتْ العراق له، ولذلك لم نقرأ في الروايات أن هناك حرباً تجري في العراق بين الإمام المهدي وبين أهل العراق، ولا توجد أي رواية بهذا الصدد إلاّ رواية البتريّة التي تحدّثت عن أولئك الستة عشر ألف الذين يخرجون ويسمّون البتريّة يقولون عندما يظهر الإمام: ما لنا ولك يا بن فاطمة ارجع لا شأن ولا شغل لنا معك فيضع السيف فيهم.
أولئك البتريّة قوم غرباء عن العراق، والبترية لم يكونوا من الشيعة، إنما هم قوم غرباء عن العراق، وغرباء عن التشيع، وغرباء عن شخصيّة هذا المجتمع العراقي، لكنّ الحرب تكون على الأرض العراقية، وأمّا الشعب لم يكن شعباً عراقياً، ولم يكن مجتمعاً عراقياً، وان الذي يقاتل هؤلاء هو الإمام المهدي بالرايات الثلاث: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني التي تكون قد نشرت. ولا نقصد بالغرباء أنهم غرباء الجنسية، وإنما نقصد بالغربة غربة الشخصية فقد يكون أولئك من شذاذ سكنة هذه الأرض ولكنهم غرباء عنها وعن أهلها بالشخصية والطبعية.
الشيء الثاني: الاضطراب الذي تذكره الرواية قد يكون له معنيان: الأوّل: معنىً من معاني الاضطراب الاهتزازي كما لو اهتزت تلك الرايات لشدة وكثرة الجمهور والقواعد التي تحمل تلك الراية يعبّر عنها أيضاً بعبارة: (قد اضطربت).
وهناك تفسير آخر قد يكون للاضطراب: وهو حالة من اللاتفاهم الجزئي، أو حالة من الاختلاف الجزئي الذي قد يكون بين هذه الرايات، ثمّ تسقط وتتلاشى هذه الاختلافات على يد الإمام عليه السلام.
وهذا الوضع يوضّح أن هناك قوىً قبل ظهور الإمام، وأن هذه القوى تمهّد للإمام، وتوطّئ للإمام عليه السلام.
والرواية تتحدّث عن المجتمع العراقي تقول: (حتّى يأتي المنبر)؛ يعني لم يكن للإمام مدّة طويلة عند دخوله العراق، وإنما بمجرد أن يصل الإمام عليه السلام إلى الكوفة فإنه يصعد المنبر، ويخطب بالناس (فلا يدري الناس ما يقول من البكاء).
لاحظ: قوله عليه السلام: (فلا يدري الناس ما يقول من البكاء) لا يفهم الناس ما يقول الإمام، لأن حالة البكاء شملت الناس، وهذا يفسّر شيئين:
أوّلاً: كثرة الجمهور، لأنه لو كان بكاءاً فردياً لانتبهوا.
ثانياً: يعطيك مدلول الحالة النفسية والعاطفيّة بين الجمهور والقائد بما تعني الحالة العاطفيّة والانفعال في أوج من حالات الترقب والفرح والحضور في أعلى مستوياتها، حيث غلب البكاء على الجمهور.
إذن هذه القاعدة التي تكون قبل ظهور الإمام لم تكن قاعدة صغيرة، ولم تكن هذه القاعدة شاذّة أو تعبّر عن حالة فردانية بالحضور، وإنما تكون قاعدة واسعة من حيث الكم، وتكون قاعدة واعية ومتّفقة عقائديّاً وعاطفيّاًَ مع الإمام لذلك يأخذها الانفعال الذي يغلب على كل حواس الإنسان سواء السمع أو غيره، لأنّ الإنسان الحاضر قد توجّه بكلّه إلى الإمام.
هذا الوضع يعطينا أملاً في هذه الظلمة التي نعيشها، إذ ربما الإنسان في مثل هذا الجو يعيش الاحباط فهو عندما يخرج إلى الشارع وعندما يخرج إلى المجتمع يجد كثيراً من الأشياء المنكرة فقد تأخذه حالة من حالات اليأس، وحالة من حالات فقد الإرادة التي يعيش بها العالم الإسلامي والعالم العربي الآن.
إن هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الأمّة ككل، هو فقدان الجانب الفاعل في الإنسان، والجانب المؤثّر في الإنسان.
والذي يعطي الزخم المستقبلي الإيجابي هو العقيدة المهدوية عندما تكون في هذه المرحلة بكل خصوصيّاتها الشيعيّة التي تحكم الإنسان وفكر الإنسان، وتكون مؤهّلة للظهور.
إنّ هذه الحالة من حالات الهزيمة التي نعيشها، والمعمقة في الهزيمة السياسية بعد الهزيمة العسكرية في عدّة مواقع وقعنا فيها ابتداءاً من حرب حزيران وانتهاءاً بحرب أمريكا سوف تكون في مرحلة زمنية محدودة، وفي مرحلتنا هذه لا تكون طويلة وممتدّة، وإنما سوف تنقلب هذه الهزيمة إلى حالة إيجابية عندما نرتبط مع الروح الحقيقيّة للعقيدة الشيعيّة بما تفهمه عن الحركة المهدوية.
**************************************
المرحلة الثالثة: العراق في عصر الظهور:
قرأت الآن مجموعة من الروايات، وأنا أتحدّث عنها بشكل سريع، فإنها تحدّثت عن أهميّة العراق ودور العراق المستقبلي.
ونجد بعض تلك الروايات قد تحدّث عن هذا المجتمع من حيث كل الخصوصيّات التغييريّة يصنع على عين الإمام وحركة الإمام، ولذلك فإنّ أوّل شيء يقوم به الإمام عليه السلام هو الوصول إلى العراق، ويؤسّس في العراق هذه الدولة، وسيكون مقرّ الدولة الكوفة.
وتقول هذه الروايات هكذا تكون الأمور، حتّى أنّها تحدّثت عن الكوفة، وعن علاقة الكوفة بهذه القيادة، تقول: (ويكون أسعد الناس به أهل الكوفة). إشارة إلى العراق؛ والروايات عندما تتحدّث عن الكوفة فهي تعني العراق ككل وعموماً، أي بالشكل العام.
وعندما تتحدّث عن العراق تقول: (أسعد الناس به أهل الكوفة)، ولم تقل الرواية: (أفرح الناس)، أي أكثر فرحاً، بل هم أكثر سعادةً، لأن هذا الشعب تحمّل الكثير من أجل الإمام عليه السلام ، وتحمّل الكثير من أجل أهل البيت عليهم السلام ، فيكون حينئذٍ محل اقتطاف تلك الثمرة هو هذا المجتمع في هذه الأرض فلذلك يكون الناس سعداء، بمعنى مرتاحين من جميع الجوانب؛ الجوانب الحضاريّة، والمدنية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية، وكل الجوانب التي ترتبط بحياة الإنسان، وحينها تتوفّر أحسن سبل الراحة في العراق وفي عصر الإمام عليه السلام.
ولذلك نجد الإنسان في العراق سوف يتغيّر من حالة الهزيمة والتعب، والمرارة، والعذاب، والشقاء يتحوّل إلى مجتمع مثالي. ولا بدّ أن نتحدّث عنه ضمن الحديث عن خصوصيّات المجتمع المهدوي في محاضرة مستقلة.
عاصمة الدولة المهدوية:
المجتمع المهدوي يختلف عن باقي المجتمعات بخصوصيّات لم تتوفّر قبل الظهور، وإنما تكون هذه الخصوصيات قد توفرت بعد ظهوره عليه السلام ، فعندما تتوفر السبل العمرانية والحضارية فبطبيعة الحال يكون ذلك سبباً للهجرة، فعلى سبيل المثال عندما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة فإنه قد كان لا يقطنها إلاّ الأوس والخزرج وبعض اليهود في مناطق وحصون بعيدة عن داخل المدينة، أي أن المدينة المنورة كانت قرية صغيرة؛ أمّا مكّة فكانت تسمّى أمّ القرى، لأنّ فيها كل وسائل الراحة التي تجبى من الشام، وتجبى من اليمن، ومن حضارات الدنيا من الفرس والروم، وما إلى ذلك، ولكن بعدما جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة عاصمة له وحينها بدأت الهجرة إليها من باقي المناطق حتّى أهل مكّة أنفسهم قد هاجروا إليها لتوفّر وسائل الراحة، ولذلك صار المهاجرون من حيث الكم والنفوس العدد الأكبر بالنسبة إلى سكّان المدينة والتنوّع من جميع العرقيّات ومن جميع الناس، حتّى تجد الرومي _ الرومي يعني الأوربي في زماننا _ قد سكن المدينة.
وفي عصر الإمام وعندما يكون العراق، وتكون الكوفة عاصمة الإمام وتتوفّر في هذه العاصمة كل وسائل الراحة وتطوّرات المدنيّة، فحينئذٍ يكون الحضور والهجرة بكثرة بحيث تعبّر تلك الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب واتّصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء).
يعني أن الدنيا سوف تهاجر إلى هذه المنطقة الخربة، التي خرّبها صدام وخرّبتها الأنظمة. وسوف يعمّرها المهدي، وتعمّر في عصر قبل المهدي، ولكن يتم التعمير الأعظم عندما يظهر بقية الله.
وهذا التطوّر في هذه المنطقة بالخصوص _ وهي العراق _ سوف يكون حقّاً أسعد الناس به أهل الكوفة، يعني أهل العراق، لما يظهر في هذه المنطقة من تطوّر كبير، والحديث طويل جدّاً.
واكتفي بهذا المقدار، لكني أرجو أن يوفّق الحاضرون لمتابعة الموضوع ومعرفة الدور المطلوب من العراقي.
طبعاً أن القضية المهدوية بالبداية عقيدة في العقول والنفوس، ولكننا نؤمن أن العقيدة المهدوية لها آثارها الحياتية في واقع المجتمع العراقي، وهناك بحث كتبته سابقاً هو: أثر العقيدة المهدوية في الفكر السني، يعني الفارق بين أثر العقيدة المهدوية في الفكر السني عن الفكر الشيعي وأثر العقيدة المهدوية في تأريخ الشيعة وحاضر الشيعة، وأهم أثر واقعي هو أن يعيش الإنسان الإيجاب والإيجابية والتغيير والتحول نحو الأحسن.
والحمد لله رب العالمين