فُوجئتُ وانا اشاهد المالكي بلحمه ودمه يمشي على رجليه بلا فوج حماية يلاحقه في احد شوارع بغداد، وبالتحديد في شارع العبيدي المؤدي الى مناطق حافات المياه على اطراف بغدادنا الحبيبة.
اذ عندما سمعت خطبة المالكي من على شاشات التلفاز، وهو يخاطب وزراءه الجدد قائلا: (سنقوم بزيارات مفاجئة لدوائركم)، قلت انها (رطينة) سياسية اعتدنا عليها، الا انني وجدتها (حقيقة) مباركة، وانا اشاهد الرجل يمشي في ازقة بغداد بلا حماية، وهو يسب ويشتم حماية احد مواكب المسؤولين اثناء رفسه للسيارات الماشية على طريقها المعتاد، خوفا من ان يتعكر مزاج المسؤول الفلاني (اعزه الله).
وعندما رأيت المالكي ووجه متعصب المزاج بسبب الزحام الطويل والممتد الى عشرات الكيلو مترات، والاختراقات اللا ادبية واللا قانونية لتصرفات الساسة والمسؤولين بحق المواطنين العاديين، مشاهدا بأم عينيه، فضلا عن ابوها ايضا، كيف يتعامل (فوج حماية المسؤول الفلاني) مع المواطنين وهو يهش بيده المطرزة بالسلاح كما يهش الراعي غنمه.
عندما رأيت المالكي بهذه الحالة، قلت في نفسي الحائرة عن معرفة اسباب ضياع بلدي وانتكاساته المتكررة.. لقد جاء الفرج وقد صدق الرجل في عزمه على اصلاح ما افسده العطار، بل انه سيصلح الحال الذي لاينفع معه الف مقال.
كما انني عاتبت نفسي بشدة، وعزمت على معاقبتها لسوء ظنها بهذا الرجل الصالح والطامح لمرضاة الله قبل عباده، وذلك حين استهزئتُ بما قاله لاحد محاوري قناة العراقية حينما سأله بالنص: (هل يرى المالكي في نفسه قائدا وطنيا منافسا لنوري سعيد وعبد الكريم قاسم) فأجابه بثقة عالية وبمناورة كلامية رائعة: (سأقدم كل ما لدي للعراق وشعبه).
قررت ان اتفرغ لمراقبة المالكي اثناء تجواله، بعدما اجبرني زحام السيارات الطويل جدا في التغيب عن دوامي (اللارسمي). وحينها رأيت المالكي متوجها الى احدى المقاهي الشعبية، قلت في نفسي، فعلها المالكي كما فعلها سابقا نوري سعيد، والذي كان مواظبا على زيارة احد (الجايجيه) في شارع الكفاح، لا يرافقه احدا الا سائقه الخاص، وذلك لطلب استكان الجاي مع معرفة اخبار المواطنين وسؤالهم عن مدى رضاهم لسياسته في الدولة العراقية انذاك.
مرة ثانية وثالثة كذبت عيني حينما رأيت المالكي يتوجه الى احد الدور المتهرئة في مدينة الصدر، وهو يتفقد اهلها فردا فردا.. فقلت، لقد زاد على الزعيم عبد الكريم قاسم، بما روي عنه سائقه الخفر (صلال) قائلا : ( طلب مني الزعيم وفي ساعة متأخرة من الليل وفي احدى ليالي بغداد القارصة من البرد التوجه صوب مدينة ( الثورة انذاك) وكانت في بدايات التكوين والبناء، وقبل ولوج المنطقة ،وعلى ابواب مداخلها الرئيسة حيث الظلام الدامس الذي يلف المكان ،رأى (الزعيم) مصدراً لضوءٍ خافت يتلألأ عن بعد ، فأمرني بالتوقف. فتقدم الزعيم نحو مصدر الضوء ، واذا بطفلة صغيرة لايتجاوز عمرها عشر سنوات تمسك (بفانوس قديم) لتضيء المكان لوالدها الذي يحاول جاهداً حفر بئر ، وذلك لقلة الماء الموجود في (المدينة). فوقف الزعيم بجانب الطفلة ومسح على رأسها باحدى يديه، ثم خاطب الرجل الموجود داخل الحفرة : (ماذا تفعل يارجل ونحن في ساعة متأخرة من الليل). فرد عليه الرجل من داخل (الحفرة) بتهكم وعصبية ، دون ان يرفع رأسه ليرى من المتكلم وبلهجته الجنوبية الدارجة اجاب: ( آنه جاي احفر كبر كيفية .. بويه هذا ابو اذان الطوال ،ذبنه بهاي الجول .. ولا ماي ولا كهربة). فصمت (الزعيم) ولم يجبه قط، لكن الطفلة سرعان ما عالجت الموقف بعد ان عرفت وتأكدت ان هذا الرجل الواقف على حافة الحفرة هو (الزعيم)، فنادت على والدها قائلة: ( بوية ، اشجاي تحجي .. هذا الزعيم)، فلما سمع الرجل هذا الكلام من ابنته ،خرج مسرعاً من الحفرة معتذراً ، خائفاً ،مرتبكاً، خجلاً عما بدر منه تجاه (رئيس الدولة) فحاول تقبيل يدي الزعيم ،لكنه رفض بشدة ، وسحب يديه الى الخلف. ويكمل صلال حديثه قائلاً: ظل الرجل يعتذر ويكرر اعتذاره عشرات المرات، فاجابه الزعيم : ( خلص .. خلص لا تشتم الاموات يا رجل، والدتي ذهبت الى باريها، فلا يجوز شتم الناس امواتاً كانوا ام احياء)، ثم تبسم واكرمه بعدها مبلغاً من المال (كل ما موجود في جيبه) ووعده الزعيم خيراً. ثم عاد الرجل مصطحباً ابنته الى بيته مذهولاً مندهشاً، وعند طلوع الفجر رجع الزعيم الى مكتبه في وزارة الدفاع بمنطقة باب المعظم، وما هي الا سويعات قلائل حتى اتصل بالمسؤولين عن (الاسالة) و (الكهرباء). وفي اليوم التالي نصبت حنفيات الماء ، واعمدة الكهرباء فورا.
لذلك وبعد ما اطلعت على ما فعله المالكي مع شعبه وهو على رأس الحكومة العراقية ويقود اكثر من 40 وزارة، قررت ان اتوب الى الله وان اكتب مقالا مادحا فيه ومهلهلا عن مناقب المالكي بدلا من مقالاتي الدارجة في الحديث عن مثالبه فقط، وقررت فور رجوعي الى البيت ان اكتب ما يجعلني شاهد عيان يسجلها التاريخ السياسي للعراق الجديد... لكن سرعان ما زالت نيتي حينما علمت ان مشاهداتي للاحداث اعلاه كانت في احد احلامي الغابرة لا اكثر ولا اقل.
منقول
اذ عندما سمعت خطبة المالكي من على شاشات التلفاز، وهو يخاطب وزراءه الجدد قائلا: (سنقوم بزيارات مفاجئة لدوائركم)، قلت انها (رطينة) سياسية اعتدنا عليها، الا انني وجدتها (حقيقة) مباركة، وانا اشاهد الرجل يمشي في ازقة بغداد بلا حماية، وهو يسب ويشتم حماية احد مواكب المسؤولين اثناء رفسه للسيارات الماشية على طريقها المعتاد، خوفا من ان يتعكر مزاج المسؤول الفلاني (اعزه الله).
وعندما رأيت المالكي ووجه متعصب المزاج بسبب الزحام الطويل والممتد الى عشرات الكيلو مترات، والاختراقات اللا ادبية واللا قانونية لتصرفات الساسة والمسؤولين بحق المواطنين العاديين، مشاهدا بأم عينيه، فضلا عن ابوها ايضا، كيف يتعامل (فوج حماية المسؤول الفلاني) مع المواطنين وهو يهش بيده المطرزة بالسلاح كما يهش الراعي غنمه.
عندما رأيت المالكي بهذه الحالة، قلت في نفسي الحائرة عن معرفة اسباب ضياع بلدي وانتكاساته المتكررة.. لقد جاء الفرج وقد صدق الرجل في عزمه على اصلاح ما افسده العطار، بل انه سيصلح الحال الذي لاينفع معه الف مقال.
كما انني عاتبت نفسي بشدة، وعزمت على معاقبتها لسوء ظنها بهذا الرجل الصالح والطامح لمرضاة الله قبل عباده، وذلك حين استهزئتُ بما قاله لاحد محاوري قناة العراقية حينما سأله بالنص: (هل يرى المالكي في نفسه قائدا وطنيا منافسا لنوري سعيد وعبد الكريم قاسم) فأجابه بثقة عالية وبمناورة كلامية رائعة: (سأقدم كل ما لدي للعراق وشعبه).
قررت ان اتفرغ لمراقبة المالكي اثناء تجواله، بعدما اجبرني زحام السيارات الطويل جدا في التغيب عن دوامي (اللارسمي). وحينها رأيت المالكي متوجها الى احدى المقاهي الشعبية، قلت في نفسي، فعلها المالكي كما فعلها سابقا نوري سعيد، والذي كان مواظبا على زيارة احد (الجايجيه) في شارع الكفاح، لا يرافقه احدا الا سائقه الخاص، وذلك لطلب استكان الجاي مع معرفة اخبار المواطنين وسؤالهم عن مدى رضاهم لسياسته في الدولة العراقية انذاك.
مرة ثانية وثالثة كذبت عيني حينما رأيت المالكي يتوجه الى احد الدور المتهرئة في مدينة الصدر، وهو يتفقد اهلها فردا فردا.. فقلت، لقد زاد على الزعيم عبد الكريم قاسم، بما روي عنه سائقه الخفر (صلال) قائلا : ( طلب مني الزعيم وفي ساعة متأخرة من الليل وفي احدى ليالي بغداد القارصة من البرد التوجه صوب مدينة ( الثورة انذاك) وكانت في بدايات التكوين والبناء، وقبل ولوج المنطقة ،وعلى ابواب مداخلها الرئيسة حيث الظلام الدامس الذي يلف المكان ،رأى (الزعيم) مصدراً لضوءٍ خافت يتلألأ عن بعد ، فأمرني بالتوقف. فتقدم الزعيم نحو مصدر الضوء ، واذا بطفلة صغيرة لايتجاوز عمرها عشر سنوات تمسك (بفانوس قديم) لتضيء المكان لوالدها الذي يحاول جاهداً حفر بئر ، وذلك لقلة الماء الموجود في (المدينة). فوقف الزعيم بجانب الطفلة ومسح على رأسها باحدى يديه، ثم خاطب الرجل الموجود داخل الحفرة : (ماذا تفعل يارجل ونحن في ساعة متأخرة من الليل). فرد عليه الرجل من داخل (الحفرة) بتهكم وعصبية ، دون ان يرفع رأسه ليرى من المتكلم وبلهجته الجنوبية الدارجة اجاب: ( آنه جاي احفر كبر كيفية .. بويه هذا ابو اذان الطوال ،ذبنه بهاي الجول .. ولا ماي ولا كهربة). فصمت (الزعيم) ولم يجبه قط، لكن الطفلة سرعان ما عالجت الموقف بعد ان عرفت وتأكدت ان هذا الرجل الواقف على حافة الحفرة هو (الزعيم)، فنادت على والدها قائلة: ( بوية ، اشجاي تحجي .. هذا الزعيم)، فلما سمع الرجل هذا الكلام من ابنته ،خرج مسرعاً من الحفرة معتذراً ، خائفاً ،مرتبكاً، خجلاً عما بدر منه تجاه (رئيس الدولة) فحاول تقبيل يدي الزعيم ،لكنه رفض بشدة ، وسحب يديه الى الخلف. ويكمل صلال حديثه قائلاً: ظل الرجل يعتذر ويكرر اعتذاره عشرات المرات، فاجابه الزعيم : ( خلص .. خلص لا تشتم الاموات يا رجل، والدتي ذهبت الى باريها، فلا يجوز شتم الناس امواتاً كانوا ام احياء)، ثم تبسم واكرمه بعدها مبلغاً من المال (كل ما موجود في جيبه) ووعده الزعيم خيراً. ثم عاد الرجل مصطحباً ابنته الى بيته مذهولاً مندهشاً، وعند طلوع الفجر رجع الزعيم الى مكتبه في وزارة الدفاع بمنطقة باب المعظم، وما هي الا سويعات قلائل حتى اتصل بالمسؤولين عن (الاسالة) و (الكهرباء). وفي اليوم التالي نصبت حنفيات الماء ، واعمدة الكهرباء فورا.
لذلك وبعد ما اطلعت على ما فعله المالكي مع شعبه وهو على رأس الحكومة العراقية ويقود اكثر من 40 وزارة، قررت ان اتوب الى الله وان اكتب مقالا مادحا فيه ومهلهلا عن مناقب المالكي بدلا من مقالاتي الدارجة في الحديث عن مثالبه فقط، وقررت فور رجوعي الى البيت ان اكتب ما يجعلني شاهد عيان يسجلها التاريخ السياسي للعراق الجديد... لكن سرعان ما زالت نيتي حينما علمت ان مشاهداتي للاحداث اعلاه كانت في احد احلامي الغابرة لا اكثر ولا اقل.
منقول