العراق وزمن التدخلات الدولية .. تساؤلات مشروعة
كتابات - حامد شهاب
عندما تقرأ تأريخ العراق القديم والمعاصر تحتار في اي وصف أو مرحلة تأريخية هو فيها، هذا البلد الذي كان شامخا بالكبرياء على مدى صفحات التاريخ ، واذا بالآخرين يتحكمون بمقدراته، وهو الذي كان ليس في مقدور الاخرين حتى التمحلق بعينيه او ان يطال نظرهم حاجبيه ، لانهم يرهبهم بقوته وضخامة علمه وغزارة أدبه ، وعمق خصال الخير والحضارة المعطاء على أرضه، وبطولات قادته التي كانت ترتعد منها الدنيا على مسافات الاف الاميال.
يستغرب العراقيون عندما يتمعنون في مضامين تأريخهم وصفحاته المتعددة ان يكون حال بلدهم على هذه الشاكلة من التمزق والتشرذم والتناحر والاختلاف ، في بلد كان مؤئلا لكل الحضارات القديمة ، واذا به يعتكف بعيدا وكأنه خارج التاريخ، لايعرف الآن أين موقعه على خارطة العالم ، وهو الذي كان يشكل مصدر اهتمام العالم ومصدر حضاراته وتطلعاته نحو الكون والطبيعة والاخلاق والقوانين ، يتدحرج وهو خائر القوى بعد ان ركلته ارجل الشر وسكاكين الغدر تغرس في خاصرته حتى من اقرب مقربيه ممن اكلوا من خيراته وشربوا من ماء دجلة والفرات واذا بهم يتخلون عنه في اللحظات العصيبة، ويبقى وحده يلعق جراحاته ، مستذكرا كل ما مر به من صفحات التاريخ المشرقة في حياته او تلك التي تشكل مصدر قوته ونهضته ، لينفض عنه غبار الزمن الأغبر الذي اوصلته الاقدار اليه.
ولا ادري كيف يكتب المؤرخون عن تاريخهم عندما يقرأون تأريخهم المعاصر او بماذا سيحدثون الناس عنه، وما سيقولون للاجيال المقبلة وهي التي تنتظر ان تكون صفحات بلدهم مشرقة كأشراقة القرون التي خلت او على الاقل ان يتبقى بعضا من وهجها ليلهم الاجيال من علمه وبطولته وثقافته وادبه وعطائه الثر، لا ان يبقى يتعكز خارج التاريخ ، وهو يلوك آلامه وجراحاته ليمضي مستذكرا كل تلك الصفحات المشرقة الوضاءة في حياته علها تلهمه بعضا من آماله وتخفف عنه بعض آلامه وتواسي لياليه المكدرة بظلم الاقدار والزمن الغادر الذي احال نهاراته الى ليال حالكات بظلمتها ووحشتها حتى لتحس ان القبور بدات تتململ وكأن شيئا يريد ان يظهر من بين تلك القبور ليملأ التاريخ مجدا وبطولة ، ويعيد تلك الايام الزاهية من مجد حضاراته، لكن ثقل من جثموا على صدره تحول دون ان يبلغ المحبون من الموتى هدفهم في ان يعيدوا بعث امجادهم من جديد ويرفعوا راية العراق الشماء لترفرف في الاعالي شامخة بكبريائها وزهوها وتألقها ، لكن المحاولات لن تهدأ والاموات يتحركون وهناك من نساء العراق من يناشدهم ان يخرجوا من تحت ثقبورهم ويحطموا تلك الكتل التي علت فوق رؤوسهم .. ويا لحسافة الاقدار ان القت بترابها على رؤوسهم وأنامت الكثير منهم تحت ترابها الطاهر ولو كانوا هنا على هذه الارض لكان للعراق شأن آخر ، غير تلك الصورة البائسة التي ارتسمت على وجهه في الزمن الديمقراطي اللعين، حتى جلب عليها كل من في نفسه مرض لتنهال عليه ضربا وتدميرا ، وكان هولاكو والتتر حاضران امام كل غزوة ودمار وخراب، وكل عدو يريد ان يأخذ من العراق ومن أرضه وخيراته وطرا او غنيمة رد على اعقابه مدحورا وقد لقنه بقية من في قلوبهم صحوة ضمير بئس العذاب واللعنة على من تجبر واستكبر واحال نهارات العراق الى ليالات لا نهوى ان نراها ولا تسر من اليها نظر، لانها ليست من شيم العراق ولا تسجل لطخات العار الا لمن اوغل في جريمة ايذاء بلده وتسليم مقدراته لكل طامع غريب عن الارض والديار وعبث بمقدرات العراقيين وخرب ودمرر ونهب وسلب ، وما زال يعيث خرابه كل يوم دمارا وهلاكا وتقطيعا في لحم العراقيين .. ومن اكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه .. انها الاقدار تفعل ما تشاء.
تطلعوا في عيون العراقيات فهن االلواتي يخبرنكم عما حل بالعراق واطفاله وشيوخه ومن سلب منهمن بريق العراق ورونقة بهائه ، وهن اللواتي مزقت قلوبهن الحسرات على رجال لا تتحرك ضمائرهم وقد أستترت خلف حواجز كونكريتية وجدران مزقت صلات العراقيين وقتلت روحهم وأفئدتهم ومات البعض منهم غمدا بالكدر الذي رآه بأم عينه ومن وجع الليالي الموغلات في الأجرام والقساوة ، حتى لتحس ان الحجر قد يتكلم، اما من تحكم برقاب العراقيين فهو أشد قساوة من الحجر ، على بني أهله وعشيرته ومن يشتركون معه في الوطن والمصير.
وكم من حجر تدفق من بينه الانهار، لكن قلوب بعض العراقيين او ممن باع نفسه بثمن بخس دراهم معدودة، فقد وجد في أذلال أهله ودياره ،خصاله التي اتخذها منهجا له، ولا يهمه ان يرى العراقيات وهن أصحاب النخوة والغيرة على بلدهن وقد تقطعت بهن السبل، بعد ان صمت الكثيرون على ما حل ببلدهم ، وتمنى بعض النسوة لو انهن لبسن ملابس الرجال، لكن عندها للوطن شان آخر، وحال آخر غير الذي هو عليه الآن.
لقد توصل الكثر من العراقيين الطيبين الى ان صحوة نساء العراق ربما تكون هي الوحيدة الصافية الرقراقة التي حافظت على كرامة العراقيين وأججت في روحهم بعضا من معالم القوة والاقتدار والعزيمة، عندما حافظ بعض الرجال على الحد الأدنى من معنى ان تكون رجلا، ولولا هؤلاء النسوة الاخيار ممن حفظن الود والعهد وحملن الوطن بين حنايا القلوب وداخل حشايا ارحامهن ، لتحول رجال كثيرون الى ما يليق بالنساء ان ترى حالهم في هذا الوصف غير السار بكل تأكيد. منقول