أصدقاء القلب



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أصدقاء القلب

أصدقاء القلب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أصدقاء القلب

منتدى ديني سياسي اجتماعي


    أين البغداديون في السياسة؟

    avatar
    حازم المدرس
    صديق نشط
    صديق نشط


    عدد المساهمات : 69
    نقاط : 207
    تاريخ التسجيل : 01/12/2009

    أين البغداديون في السياسة؟ Empty أين البغداديون في السياسة؟

    مُساهمة من طرف حازم المدرس السبت ديسمبر 25, 2010 10:50 pm

    غياب البغداديين عن سياسة بغداد ملمح واضح. نظرة سريعة على التاريخ السياسي العراقي تكشف انحسار مشاركة البغداديين في السياسة منذ العهد الجمهوري، وإذا كان مقبولا وجود أشخاص في السلطة التنفيذية من محافظات العراق كافة، كي لا يفهم كلامنا بأنه تحامل على مشاركة غير البغداديين في سلطة بلدهم، فإن من غير المستساغ ان يكون اليوم من يمثلون البغداديين من أصول غير بغدادية.



    ونظرة سريعة على من حكموا بغداد في راس السلطة توضح انحسار حضور "البغادة" في بغدادهم، فعبد الكريم قاسم من مواليد مدينة الصويرة في واسط. وعبد السلام عارف وأخوه عبد الرحمن عارف من مدينة حديثة من الانبار، وفي العهد البعثي كانت الغلبة لأبناء محافظة صلاح الدين. ولعل زهد أبناء المدن عموما في الانخراط بالنزعة الحزبية قد قلل من حظوظهم في السياسة التي انطبعت بعد الحكم الملكي بالحركات والأحزاب التي سميت بالجماهيرية، وظهرت معها مسميات التنظيم والنضال والثورة والعقيدة الحزبية. فقد ظل ابناء بغداد اقرب إلى النخبة التكنوقراطية والتجاريةـ وبترسيمة تبسيطية نقول: الجماهير كانت المحافظات والضواحي أما النخبة شبه المعزولة فكانت بغداد ومن تشبه بها في مدن العراق.



    اذكر في هذا الصدد ذلك الخوف الذي يصفه الكاتب جبرا ابراهيم جبرا، في إحدى رواياته التي تدور أحداثها ببغداد في العهد الملكي، خوف النخبة المدينية المتنعمة من استباحة بغداد على يد الجحافل القادمة من أقاصي الريف، أي على يد الجماهير التي كان شعار تحطيم الدولة مغريا وجاذبا لها وليس تغيير نظام الحكم فقط.



    كأن البغداديين قد اعتزلوا السياسة أو عزلوا منها، بسبب النزعة الحزبية المفرطة. وكنا نرى كيف كان ابناء الريف، سابقا وحاليا، يسارعون إلى الانخراط في الحزبية فيما يزهد أبناء المدن عادة عن فعل ذلك، وليس ابناء بغداد فقط.



    اليوم كل محافظة يحكمها ويديرها أبناؤها، إلى حد كبير، اخذين بنظر الاعتبار أن الهجرات المتكررة من الريف الى المدينة، بسبب الحروب والجفاف وأمور أخرى لا يتسع المقام لذكرها، قد غيرت من التركيبة السكانية للعديد من المحافظات.



    ولكن الحال ليس نفسه في بغداد. فنظرة سريعة على السير الذاتية لمحافظ بغداد ورئيس مجلسها وأمين العاصمة وعلى ألقابهم توضح أنهم ليسوا من أصول بغدادية عميقة الجذور في البغددة. نشدد هنا على القول إننا هنا نصف واقعا، ولا ننتقص من قيمة شخص أو مسؤول.



    بعد دخول قوات التحالف والإطاحة بالنظام السابق، خضع سنة بغداد وشيعتها لأصوات قادمة من مراكز القرار الديني والسياسي. شيعة بغداد صارت أنظارهم مشدودة إلى مرجعية النجف، وشيعة مدينة الصدر معروفة الولاء بحكم الاسم. أما سنة بغداد فصار القرار العسكري والسياسي مركزه الانبار والفلوجة.



    بغداد أصبحت ساحة الصراعات كلها، ومفترقا للرسائل النارية المتبادلة عند كل محطة. وكل مكون يحب أن يجد نفسه ممثلا في بغداد، وكل طرف يفضل أن تكون بغداد ساحة حربه فهي الأكثر عرضة للأضواء والأغزر رمزية من غيرها، حتى غدت المنطقة الأكثر سخونة ومعها غدا محبو المقام وأبناء الجالغي ضحايا مركزية بغداد ومنزلتها الكبيرة.



    لعل العوق الكبير الذي تعانيه التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق هو غياب النخب المدينية وفاعلية المجتمع المدني الذي صدعته الحروب والحصارات وسياسات الإفقار الاقتصادي والمعنوي اضافة الى الانعزال والانقطاع لزمن طويل عن مستجدات العالم. ببساطة شديدة نظام العائلة في المدينة أكثر ديمقراطية بطبيعته من الريف، فالأب في المدينة ليس هو مركز المعرفة والخبرة كما هو الحال في الريف أو البادية حيث الأب أكثر الناس معرفة بمهنته التي يعلمها للأبناء، وهو أمر متعذر على الأب في المدينة، والذي يتعامل مع تخصصات مختلفة لأبنائه ومهن وحرف متعددة، كما أن الأب في المدينة ليس مركز الأمر والنهي بحكم الاستقلالية الاقتصادية النسبية لأبنائه وبناته. نعيد ونكرر إننا هنا نصف حالا وواقعا ولا نضع مفاضلة بين الريف والبادية والمدينة، فكلامنا وصفي ولا يضفي قيمة اكبر على المدينة أو ينتقص من الريف والفلاح الذي يعد "الصانع الأول للحضارة"، كما يطيب للباحث فالح عبد الجبار أن يصفه.



    ومن باب الوصف أيضا وليس الحكم القيمي القول إن الحركات الإسلامية نفسها تختلف في أفكارها وطرائقها على وفق مضانها وحاضناتها لجهة التمثيل الاجتماعي، ففكر الإخوان المسلمين، كما لحظ بعض الباحثين، واضح الفرق مع فكر القاعدة بسبب مدينيته، ويبدو مفرطا في ثقافيته وتنظيريته بإزاء التقشف النظري والبساطة الفكرية للحركات التي تسمي نفسها جهادية وهي اقرب إلى بساطة البداوة. وحتى الفقه الحالي يبدو منشغلا بالمرأة في المدينة وليس بالمرأة في الريف حيث طبيعة المهن لدى الأخيرة لا تلزمها كثيرا باللباس الإسلامي السائد حاليا في المدن. كما أن من باب الوصف أيضا القول بذلك التفاوت والفرق بين ابناء الطائفة الواحدة بحكم اختلاف المدن نفسها وليس الاختلاف بين الريف والمدينة، فالسني ابن بيروت اللبنانية، هو غيره في طرابلس اللبنانية أيضا والميالة إلى التشدد في العقيدة.



    لابد لأبناء بغداد أن يكون لهم موقعهم في بغدادهم، على الأقل على مستوى التمثيل الجاري في المحافظات التي يحكمها أبناؤها، ونظرا لشبه غيابهم عن الحكومة الجديدة. وللعلم لست بغداديا.




      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 1:53 am